التجاوز عن الخطأ والنسيان

التجاوز عن الخطأ والنسيان

عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما، أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: {إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ}. حديثٌ حسَنٌ رواه ابنُ ماجَه والبيهقيُّ وغيرُهما.

الحديث على هذا الحديث من عدة أوجه:

الوجه الأول: تخريجه والحكم عليه:

 أخرجه ابن ماجة من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس. وهذا الإسناد ظاهره الصحة ولكن فيه علة، كما قال ابن رجب إسناده صحيح في ظاهر الأمر ولكن له علة. ونُقل عن الإمام أحمد أنه أنكره جدا. وقال محمد بن نصر المَرْوَزِي: « ليس لهذا الحديث إسناد يحتج به ». ولكن مع ما قيل في إسناده إلا أن أجزاء المتن كلها مشهود لها في القرآن أن الله تجاوز الخطأ والنسيان وما أُكرِه عليه العبد. فدليل الخطأ والنسيان قول الله تعالى (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)، وقد جاء في صحيح مسلم أن الله سبحانه وتعالى قال (قد فعلت). ودليل التجاوز عن الإكراه أن الله سبحانه قال: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ) [النحل:106]

الوجه الثاني: تعريف الخطأ والنسيان والإكراه:

الخطأ: هو أن يقصد الإنسان شيئا فيصادف شيئا آخر. مثل أن يقصد قتل كافر فصادف قتله مسلمًا

النسيان: هو ذهول القلب عن شيء معلوم، أن يكون الإنسان يعلم شيئا ثم إذا عمل العمل نسي ما يتعلق بهذا العمل عند فعله.

الإكراه: أن يُجبَر الإنسان على شيء لا يريده ولا يستطيع دفعه.

الوجه الثالث:

هذا الحديث يدل على أن الخطأ والنسيان والإكراه مُتجاوَزٌ عنهم. وهذا فيه تفصيل من جهة التفريق بين وقوع الإثم وبين لزوم المترتبات على هذا العمل الذي نسيه الإنسان أو أخطأ فيه أو أكره عليه. فإذا أخطأ الإنسان في عمل أو نسيه أو أكره عليه -وهذا كله في النواحي الشرعية- فإنه من جهة الإثم لا يكون آثما. ولكن هل يلزمه شيء آخر؟ هل يلزمه قضاء مثلا ؟ هل يلزمه ضمان في حقوق العباد؟ هذا فيه تفصيل:

فأما في الخطأ فقد جاء في كتاب الله تعالى سبحانه وتعالى ما يدل على بعض المترتبات على الخطأ. فمن قتل خطأ عليه دية، عليه كفارة. وكذلك من أصاب مال إنسان خطأً فأتلفه فإنه يضمن وإن كان من جهة الإثم ليس آثما.

والنسيان أيضا فيه تفصيل فإذا نسي أمرا واجبا فإنه يلزمه أن يأتي به. مثلا إنسان صلى الفرض بغير وضوء، نسي أن يتوضأ. هنا لا يكون آثما، ولكن يُلزم بأن يعيد الوضوء، يرجع فيتوضأ ثم يصلي. وأما إذا كان الأمر الذي نسيه من باب المنهيات في العبادة فهنا الأمر أوسع من جهة الإعادة. فقد جاءت نصوص كثيرة تدل على أن النسيان في باب النواهي وباب التروكات لا يترتب عليه إعادة ولا يترتب عليه  قضاء. مثلا من صلى وعليه نجاسة فإن علم بعد الصلاة فإنه لا يُلزم بالإعادة بخلاف ما لو ترك شيئا واجبا كالوضوء. ومن تكلم في الصلاة ناسيا فإنه لا يلزم بإعادة الصلاة ولا يكون آثما.

وأما الإكراه فنوعان:

الإكراه المُلْجِئ: وهو الذي لا يكون للإنسان فيه اختيار. فهذا لا إثم فيه ولا اختيار للإنسان فيه، فهو ليس مُخيَّرا. كما أنْ يُربط إنسان –مثلا- ويُكره على شيء معين لا يكون له اختيار فيه وإنما المُكرِه هو الذي يكرهه فيحركه ويضرب به إنسانا فيقتله أو نحو ذلك.

الإكراه غير الملجئ: فيه تفصيل وله أحوال. مثلا أن يُكره بالضرب على أن يفعل محرما أو يُكره في السجن على فعل محرم أو يكره بالقتل على فعل محرم. فهذا المحرم إذا كان قولا لا يكون الإنسان به آثما سواءً أكان هذا القول فيما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى (مثلا إنسان أُكْره على قول كلمة الكفر) أو كان متعلقا بحق غيره (مثل أن يكره على يتلفظ بالطلاق أو نحو ذلك). فهذا كله إكراه لا يترتب عليه شيء. وأما إن أكره على العمل ففيه تفصيل، فإن أكره على قتل إنسان فهذا لا يجوز له بالإجماع ولو قُتِل فليست نفسه بأولى من نفس المؤمن الآخر. أما ان أكره على ارتكاب معصية فاختلف العلماء في تأثيمه من عدمه حالة قيامه بالفعل.

فريد سعد

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )