قيمة المرأة في النظام العلماني وما فقدته بتركها لشرع ربّها

قيمة المرأة في النظام العلماني وما فقدته بتركها لشرع ربّها

عندما فرض النظام الرأسمالي على المرأة الخروج إلى العمل تحت مسميات واهية ومخادعة, من تحرّر وتحقيق الذّات وغيرها.. كبّدها مشاقا مضاعفة، فمن ناحية أولى جعل منها مستعبدة تعمل داخل البيت وخارجه، وقد أقّرت وزيرة المرأة  بهذه الحقيقة حيث صرحت في جويلية 2017 بأنه حسب آخر دراسة لهم فإنّ المرأة تعمل ثمانية مرّات قدر الرجل. مما نتج عنه إخلالات كثيرة على مستوى التوازن العائلي والاجتماعي والنفسي.

 ومن ناحية ثانية فإنّ المرأة معرضة لكل أنواع العنف والهرسلة، وأكبر دليل على ذلك الإحصائيات التي نشرها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) المتعلقة  بنسب العنف ضد المرأة في الفضاء العام والتي  وصلت إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة، فإنّ 40 بالمائة من النساء تتعرض للعنف الجسدي و 75 بالمائة منهنّ تتعرضن للعنف الجنسي سواء بالفعل أو القول أو الإيحاءات و 78 بالمائة كذلك منهنّ يتعّرضن للعنف النفسي كالشتم الثلب والاستنقاص من القيمة  وأنّ الفتيات المتعلمات أكثر عرضة للعنف.

أمّا ثالثا  فهي معرضة لانتهاك عرضها والحطّ من قيمتها، ولعلّ في ظاهرة الإنجاب خارج مؤسسة الزواج في تونس ما يؤكد كلّ هذا، فقد أصبحت هذه الظاهرة في تزايد وتفاقم  مؤرق, والإحصائيات حولها مخيفة ومفزعة, حيث وصلت حالات الولادات غير الشرعية إلى ما بين 1200 و 1500 حالة سنوية, حسب مصادر رسمية لوزارة المرأة (موقع الجزيرة نت)، إضافة إلى أنّ أغلب الفتيات اللواتي ينزحن من الأرياف إلى العاصمة بحثا عن عمل, وكذلك من يرسلهن آباءهن للعمل كخادمات، هنّ في الحقيقة  قاصرات أميات يتعرضن للاستغلال الجنسي بشكل دوري في أماكن عملهنّ أو في الطريق العام .

وفي المقابل نجد أنّ الدولة تتحرك تحت ضغط من أقلام مأجورة وجمعيات مشبوهة وأفواه أشباه المثقفين من دعاة المساواة, إلى إقرار مشروع قانون مناهضة العنف ضد المرأة في جويلية 2017 ، قانون لا يعدو إلا أن يكون سادرا ظالما لا يرقى إلى مستوى معالجة المشكل من جذوره, بل فقط يكتفي بحلول ترقيعية من متابعات قضائية ومنح الضحايا مساعدات نفسية ومادية كمراكز الإيواء والاحتضان للأمهات العازبات, والأبناء غير الشرعيين, وليزيد الطين بلّة والأمر أكثر سوءا، وما المبادرة القضائية التي خرج بها علينا الباجي قايد السبسي من مشروع  قانون يسمح بزواج المسلمة من غير المسلم إلاّ لتكون خطوة جديدة  في مسلسل الخضوع لإملاءات الغرب الكافر, وتحدّ سافر لحكم شرعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ  لَهُنَّ(الممتحنة10). ولم يكفينا سن القوانين الملغمة وحسب, بل يأتي كل هذا في زخم إعلامي مأجور يعمل ليل نهار على إتخام المجتمع بمفاهيم غريبة مشبوهة من خلال برامج حوارية مكثفة تأتي بقصص عن تقبل الزنا والأبناء غير الشرعيين والأمهات العازبات في مؤامرة لاقتلاع ما تبقى من الحد الأدنى للقيم الاجتماعية الإسلامية التي لدينا.

لكن النقطة المهمة التي يجب ذكرها هنا أنّ هذا النظام الفاسد الذي تآمر على المرأة وسلبها حقوقها الفطرية وهي النفقة التي جعلها الله فرضا في  رقاب محارمها من الرجال في تسلسل فقهي مفصل، وإن فقدوا فتكون نفقتها في عهدة الحاكم الراعي, المسؤول عن توفير حاجاتها صونا لعرضها, بل فرض عليها ودفعها دفعا إلى اللجوء إلى العمل لتلبية حاجياتها وحاجات من تعولهم, ودفعها كذلك للنضال السياسي في الشكل الحقوقي والجمعياتي النسوي, لترقيع خروقات هذا النظام في حقها, لكن يذهب كل هذا الجهد لا محالة سدى, كونه لا يغير واقعها ولا يصلحه, بل يطيل في عمر هذا النظام الظالم ويعطيه مزيدا من جرعات الترقيع.

 ومن ناحية أخرى, فإنّ الانتظام في العمل النسوي يصغّر المرأة و يحطّ من شان قضاياها ومشاكلها ويحقّرها, ويحصرها في نوع مستحدث من التعصّب العرقي لنوعها كإمراة, وبالتالي يضعها في صراع سقيم مفتعل مع الرّجل وكأنّه هو العدو, في حين أنّ العدو الحقيقي هو النظام الرأسمالي الذي اضطهد كليهما : المرأة والرّجل، ومن هنا وجب على المرأة أن تخرج للنضال السياسي ليس كامرأة, بل كمسلمة هي جزء من الأمة يضيمها ما يضيم كل الأمة رجالا ونساء, وكان واجبا أن يكون نضالها على أساس حمل مبدأ الإسلام والمطالبة بالتغيير الكلي لا الجزئي كما هو معهود, أي المطالبة باستبدال النظام العلماني الفاسد بنظام الخلافة الإسلامية الراشدة.

إنّ الغرب إعتقد قبل خمسين عاما أنّه ضرب هذه الأمة في صميمها عندما سلخ المرأة المسلمة عن دينها من خلال نشر الفساد والرذيلة وإسقاط سُلّم القيم, لكنه يعود اليوم ليجر أذيال الخيبة عندما يشاهد بأمّ عينيه المرأة المسلمة في أصقاع الأرض تخرج حاملة مبدأ الإسلام : ففي فلسطين تخرج مرابطات القدس تاركات بيوتهن وأطفالهن ومسؤولياتهن لتكبرن في وجه مقتحمي الأقصى من المستوطنين الصهاينة, ويقفن صفا واحدا كالبنيان المرصوص دفاعا عن المسجد الأقصى, تعويضا لغياب الرجل بسبب المنع والحصار الذي يفرضه كيان يهود على من يبلغ عمره اقل من أربعين سنة, ولقد كان لرباطهن الأثر الكبير, مما جعل من العدو يلاحقهن بالإيقاف والسحل والغرامة والسجن والإقامة الجبرية..

فإنّ الغرب يقف ويشاهد حال أمّة الإسلام، مصعوقا بقيمه الهزيلة التي أخرجت المرأة للعمل ليقدمها سلعة يتاجر ويفاوض بها لتحقيق الربح والمنفعة المادية لإشباع نهم الشركات الرأسمالية المتوحشة، فالمرأة اليمنية تخرج اليوم للعمل وهو أمر غير معتاد عليه المجتمع اليمني لتعمل في التجارة والأسواق في أتون الحرب وقصف الصواريخ وسيل الرصاص وهي صغيرة وحامل ومرضعة وأم لأربعة أطفال, متحدية كل الظروف لتساند عائلتها وتعيلهم وتكفيهم شر الحاجة, وكل ذلك يأتي في استجابة  للجماعة الإسلامية التي أمرنا بها الله, والتي تفرض على المرأة والرجل التعاون في الحياة العامة وفقا لضوابط الإسلام للنهوض بالأمة.

طبعا لا نستطيع أن نمرّ مرور العابرين عن حال أخواتنا في سوريا, فحسب آخر إحصائيات للأمم المتحدة, فان ربع العوائل السورية أصبحت المراة عائلهن الوحيد, سواء اللاتي يرزحن تحت وطأة الحرب أو اللاجئات في الشتات, وتشير اغلب تقارير وشهادات  العاملين في مجال الإغاثة أن هؤلاء النساء يقدمن أبناءهن وأزواجهن شهداء واحدا تلو الآخر, في صبر واحتساب, ثم سرعان ما ينصرفن مواصلات المسير في الحياة لرعاية من تبقى من أبنائهن مواجهات ضغوط الحرب والفقر والمرض وانعدام الأمن  في تعتيم إعلامي وإهمال مقصود من المنظمات الغربية أو العربية, التي تدعي الدفاع عن حقوق المرأة, في حين لا نسمع لهم نعيقا ولا نباحا إلا حين تتجرّأ كاتبة مغمورة على ثوابت الدين حول الحجاب وزواج القاصرات لأنّ الدفاع عن حقوق المرأة لا يشمل طبعاً المعتقلات والمهجّرات والمحرومات من المعيل, ولا أمهات الشهداء والمعتقلين الذين سقطوا ومازالوا يسقطون على أيدي الظلاّم المأجورين.

ختاما : إن واقع الحال فضح زيف المفاهيم العلمانية وكذب حامليها حول حقوق المرأة، ولم يعد أمرا يختلف عليه اثنين من أن التغيير لا يكون إلا بعدل الإسلام ورحمته الذي يحفظ للمرأة كرامتها ويصون عرضها ويعطيها كل الخيارات من دلال في حياتها الخاصة, وقدرة للمشاركة في الحياة العامة وفقا لأحكام الشرع التي تحمي كل حقوقها. لذا لم يعد أمامنا غير طريق واحد, هو الالتحاق بركب أخواتنا في فلسطين واليمن وسوريا طريق النضال السياسي الفكري على أساس حمل مبدأ الإسلام.

هاجر بالحاج حسن

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )