«مَن لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ لاَ يَشْكُرُ اللَّه»

«مَن لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ لاَ يَشْكُرُ اللَّه»

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

قالت بلقيس ملكة سبأ -كما جاء في سورة النمل -:{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}، فقال الله سبحانه وتعالى تصديقا لكلامها رغم كفرها:{وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُون}.يعلّمنا القرآن الكريم، أنّ من شيم الكرام الاعتراف بالحقّ لذوي الحقّ أو الاعتراف بالحقّ لمن نطق بالحقّ وإن كانوا كفارا غير مسلمين، فكيف إذا كان الناطق أو القائم بالحقّ من المسلمين.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ» (الترمذي).وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» (مسلم).

فالشكر والثناء والمدح على عمل من الأعمال الخيّرة الصالحة من الأمور المشروعة؛ فلا يعجبنّ أحد من ثنائي على بعض الشخصيات، أو مدحي لبعض المؤسّسات، رغم الاختلاف معهم في المواقف والتوجّهات. فالعدل يقتضي التجرّد من الهوى والعصبيّة، ويلزمنا بقول الحقّ والثناء الجميل على أصحاب المواقف الطيّبة وإن خالفناهم في مسألة يعدّ الخلاف فيها معتبرا وجائزا عقلا ونقلا.

وأخصّ بالذكر والشكر الإطار الطبّي التونسي، فقد ظهرت في أقوالهم وأعمالهم جدّية يشكرون عليها؛ فهم قد تحمّلوا المسؤولية، وعملوا بكلّ إخلاص وتفان على الحفاظ على صحّة النّاس رغم النّقص في المعدّات والتجهيزات. وكذلك أساتذة جامعة الزيتونة وغيرهم من المشايخ حملة العلم الشرعي الذين سارعوا إلى بيان المواقف الشرعية المؤصّلة حفاظا على نفوس الناس وكانوا أوّل ملتزم بما أصّلوا فضربوا المثال الحسن في القول والعمل. ولا ننسى طلبة العلوم والهندسة وكلّ من ساهم في اكتشاف أو صناعة أداة تساعد على حفظ أرواح الناس والعناية بصحتهم.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مَثَلَ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ»(أحمد والترمذي). قال الملّا القاري في مرقاة المفاتيح: « مثل أمتي مثل المطر، أي في حكم إبهام إفراد الجنس لا يدرى أوله، أي: أوائل المطر أو المطر الأول خير، أي: أنفع أم آخره. أي أواخره أو المطر الآخر… وحاصله أنه كما لا يحكم بوجود النفع في بعض الأمطار دون بعض، فكذا لا يحكم بوجود الخيرية في بعض أفراد الأمة دون بعض من جميع الوجوه، إذ الحيثيات مختلفة الكيفيات، ولكل وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات، ومع هذا فالفضل للمتقدم، وإنما هذا تسلية للمتأخر إيماء إلى أن باب الله مفتوح، وطلب الفيض من جنابه مفسوح… وخلاصته أن هذه الأمة كلها لا تخلو عن الخير كما أشار إليه بقوله: هذه أمة مرحومة، لكون نبيها نبي الرحمة، بخلاف سائر الأمم، فإن الخير انحصر في سابقهم، ثم جاء الشر في لاحقهم حيث بدّلوا كتبهم وحرفوا ما كان عليه أولهم. ».فقد أظهر وباء كورونا الوجه الجميل لتونس، وبيّن أنّ في الأمة طاقات كامنة مخلصة واعية متفانية في خدمة البلاد والعباد. وأنّ هذه الطاقات لا ينقصها إلّا وجود النظام الإسلامي المستقل السيادة والإرادة لتتفجّر بالإبداع وتظهر قدرتها على النهوض بالبلاد.

ياسين بن علي

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )