العودة المدرسية في ظلال العبث الديمقراطي المستجد

العودة المدرسية في ظلال العبث الديمقراطي المستجد

في كل عودة مدرسية إلا ويصاب أولياء الأطفال بخيبات أمل كبيرة نتيجة العبث الذي يمارسه أرباب السلطة في النظام الديمقراطي وتتجلى هذه الخيبة في العديد من النقاط:

الخيبة الأولى

أما الخيبة الكبرى فهي غياب المدارس المجاورة لسكن التلميذ, ففي الكثير من الأرياف مثلا يضطر أطفال صغار تتراوح أعمارهم بين الخمس سنوات والإثنا عشرة سنة إلى قطع مسافات طوال من الفيافي الخالية والوديان الوعرة لا تتناسب وسنهم من أجل الدراسة ويتحملون إلى جانب هذا خطر الحيوانات البرية المفترسة من ذئاب وخنازير وأفاعي وكلاب سائبة.. إنهم يعيشون المأساة في أبعادها الثلاثة: وعثاء الطريق, وكآبة المنظر, وسوء المنقلب. ثم يحدثونهم عن حقوق الطفل التي أرسلها إليهم غرب ما وراء البحار. وبعد كل هذا العناء يصل التلميذ منهك القوى مرتجف الفؤاد فيدرس أن دولته هي دولة الحداثة ودولة 3000 سنة حضارة ويحشى رأسه بان « المجاهد الأكبر » وصانع التغيير لم يدّخرا جهدا في بناء المدارس وتعليم الناس, ويثقّف بأننا سنة أولى ديمقراطية, وأن ما يعيشه من ألم إن هو إلا ضريبة مستحقة على درب الديمقراطية الحقيقية. وحينها تبدأ عملية اهتزاز الثقة بين الحاكم والمحكوم تلميذا كان أو وليا, وحينها فقط يحس المرء بفساد القيم الديمقراطية التي لا تقيم وزنا لهذا التلميذ ولا لجهود والديه إلا حينما يتميز في نيل شهادة علمية فيقدمه كهنة المعبد الرأسمالي لقمة سائغة للمسؤول الكبير ليسخر بدوره هذه « المادة الشخمة » من أجل أن تصعد أوروبا إلى القمر.

الخيبة الثانية

وخبرها ألا يجد التلاميذ من يدرسهم, فإما أن المطر قطعت الطريق وحالت دون حضور المعلم أو أن هذا الأخير لم يجد وسيلة نقل لان النظام الديمقراطي عبث بموارد الدولة اختلاسا وتبذيرا فلم تنشئ لهم طريقا. ولعل إطلالة بسيطة إلى الطرقات في تونس الكبرى يغنينا عن معاينة الضرر الذي لحق بالأرياف التونسية وخاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية للمدارس. ومن جهة عبثية أخرى قد لا تخصص الدولة لتلك المدرسة معلما أصلا وذلك استجابة لشروط صندوق النقد الدولي الذي أعطى الأوامر لموظفيه من حكامنا أن يوقفوا الانتداب في الوظيفة العمومية.

الخيبة الثالثة

أما الخيبة الأخرى فهي ما يمكن أن نسميه « بالعودة المدرسية تحت طائلة التهديد » حيث لم يعلن تاريخ العودة المدرسية إلا بعد جولات ماراثونية لفض النزاع الحاصل بين نقابة التعليم ووزارة التربية, وطيلة تلك المدة أنهك التلميذ ووليه بين قلق مقيت وأرق عتيد يترقبون إلى من تميل الكفة في حلبة الصراع على مصالحهم, إلى الدولة وأجهزتها أم إلى النقابة وأجهزتها. لتنتهي الجولة الأولى من جولات التطاحن الهمجي بفوز الديمقراطية, وفيها لا يعلم أولياء التلاميذ من الدولة حقا ومن صاحب السيادة فعلا ومن يملك القرار أصلا. وليس ذلك بذي بال عند ساستنا فالمهم لديهم أن الديمقراطية نجحت وأن المسؤول الكبير راض عنهم.

الخيبة الرابعة

لن نتكلم عن إجراءات السلطة الديمقراطية من حيث تفويج التلاميذ في العودة المدرسية إلى ثلاثة أفواج على ثلاثة أيام متتالية توقيا من تفشي وباء الكورونا في المدارس, حيث أصبح ذلك مصدرا للتندر عند أغلبية الناس. ولكننا نتكلم عن خيبة أمل صادمة من تصريح أدلى به المكلف بالاتصال بوزارة التربية محمد الحاج طيب في 08/09/2020 مفاده « ان461 مؤسسة تربوية في كامل تراب الجمهورية تفتقر إلى الماء الصالح للشراب ». إذا كيف كان أبناؤنا يتصرفون حين الحاجة إلى الماء منبع الحياة حين الحاجة الماسة ذكورا وإناثا إلى قضاء حوائجهم وهاهم لا يجدون ما يشربون !! فكيف يمكنهم التوقي من كورونا بغسل الأيدي.

فسحة أمل

ما يبعث الأمل فعلا أمام تعاظم « العبث الديمقراطي 19-المستجد » هو وعي الناس على طبيعة هذا النظام المستجد على حياتهم والذي لا يستحي من أن يفرط في الثروة الطبيعية كما لا يستحي أيضا من أن يفرط في الثروة البشرية أبنائنا فلذات أكبادنا. وما يبعث الأمل حقا هو وعي الناس على تهافت ما يسوق له الساسة المتمعشون من مستنقعات الفكر السياسي الديمقراطي من أن بورقيبة هو الذي بنى المدارس وأحدث نهضة تعليمية في تونس, فقد أدرك الناس اليوم أن ما فعله سيء الذكر هذا-ولو فعله حقا- فلا يعتبر منة من الحاكم على المحكوم فتلك مهامه التي يفترض أن يقوم بها خدمة للناس. كما أبصر الناس حقا أن ما سبق من إنجازات بورقيبة الوهمية يفترض أن الأمة كانت في حضيض الجهل, والواقع يدحض هذه الفكرة فقد كانت المؤسسات التعليمية منها الكتاتيب منتشرة في كل زوايا البلاد ومن الإحساس بخطرها في تشكيل وعي الرافضين للاستعمار قام الاحتلال الفرنسي بالتنسيق مع الخونة والصبايحية بالإجهاز عليها بالضربة القاضية بدءا بجامع الزيتونة كنواة مركزية لهذه الكتاتيب.

أما عن الطريد الشريد بن علي فقد خبر الناس أن صندوق 26-26 مثلا لم يكن إلا الشجرة التي تخفي قبح النظام الديمقراطي الذي أوهمهم أن مشاكل التعليم والمدارس تعالج بالمد التضامني الشعبي والمساهمات الطوعية من الناس والصواب أنها حيلة سياسية متجذرة في النظام الرأسمالي لأكل أموال الناس بالنهب والخداع والباطل.

إن نظاما عبثيا كالنظام الديمقراطي المستجد ليخنق الناس خنقا كأنما يصعدون في السماء, بدءا بتراتيب العودة المدرسية إلى البنية التحتية المهترئة إلى إثقال كاهل الولي بالنفقات المشطة. وان عبثا كهذا لحري أن ينبذ من عموم الناس الذين يكتوون بناره الحارقة. وان ممارسة التباعد عن هذه الحقيقة هو الذي يزيد من تعقيد الحياة العامة, يدفع فاتورة الألم صغارنا قبل كبارنا. ولما كان هذا العبث ظاهرا للعيان في كبد السماء فالأصل من أهل البلد عزله فلا يورد نظام ممرض على جسد الأمة الإسلامية.

محمد السحباني

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )