بعد الإرهاب, الفساد مجال للاستثمار وللتكسّب السياسي

بعد الإرهاب, الفساد مجال للاستثمار وللتكسّب السياسي

صنعت لهم الولايات المتحدة الأمريكية وأشياعها حصانا كالذي صنعه الإغريق, وبه دخلوا مدينة طروادة وتمكنوا من احتلالها. حصان أمريكا هذا هو محاربة الإرهاب، من امتطاه حاز على رضا البيت الأبيض ومن أبا ناله سخط الغرب وغضبه. وأكثر من ركب صهوة الحصان الأمريكي هم حكام المسلمين وروافدهم, حتى أنهم تفوقوا في استغلاله على شياطين الغرب أنفسهم, فلقد ظل لفترة طويلة الأداة الأفضل للوصول إلى المآرب وتحقيق المكاسب. فمن يكون حصاده في الانتخابات هزيلا أو يكون سير الأحداث عكس ما يريده يستدعي الإرهاب فيأتي على عجل وتحت وقع حوافره يفاوض ويناور ويقدم نفسه على أساس أنه هو المنقذ الأوحد من مخاطر هذا الوحش المرعب والأمثلة أكثر من أن تحصى على أن  فزاعة الإرهاب كان لها كلمة الفصل في تحديد أكثر من سياق. علما أن من ابتدعوا الحرب على الإرهاب وكل من سار خلفهم هم أصل الإرهاب وفصله، فهم أصل كل المثالب والشرور والآثام، تراهم يشنون الحروب على هذا الشر أو ذاك إما لتبييضه وتثبيته أو ليدرؤوا عن أنفسهم تهمة الاتصاف به, أو للتكسب من محاربته وتلميع صورهم, وهذا ما هو جاري اليوم في تونس من خلال الحرب الطاحنة التي تدور رحاها حول تهمة الفساد التي تطارد رئيس الحكومة « الياس الفخفاخ » والتي باتت تعرف بتهمة تضارب المصالح.

جميعنا يتذكر الحرب التي أعلنها رئيس الحكومة السابق « يوسف الشاهد » على الفساد والهالة الإعلامية التي أحاطت بها وحملة التطبيل التي قادتها جوقة الدجل لتلميع صورة النظام الديمقراطي الفاسد وإيهام الناس بأن مبادرة الرئيس الراحل « الباجي قائد السبسي » بتشكيل ما يسمى ب »حكومة وحدة وطنية » كانت حركة قام بها رجل دولة محنك وصاحب نظرة ثاقبة وتفكير مستنير, والدليل أن رئيس الحكومة الذي جاء به « الباجي قائد السبسي » نجح في ما عجز عنه الأولون والآخرون وتمكن من تخليص البلاد من داء الفساد الذي ظل لعقود ينخر جسمها ويحول دون نهضتها ويمنعها من التحليق في سماء الرقي والازدهار، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى طمأنة الناس بأن حكومة الشاهد جاءت لتحقق أهداف الثورة وتقطع مع العهد البائد وتؤسس لمرحلة جديدة انتظرها أهل تونس عقودا طويلة، لكن تلك المرحلة لم تأت وظل الحال كما هو عليه. وبمجرد انقشاع غبار معركة « يوسف الشاهد » على الفساد وضحت الرؤية وأدرك الناس أن ما قام به الموظف السابق بالسفارة الأمريكية بتونس من قبيل الحق الذي أريد به باطل, واستمرت شجرة الفساد في النمو ينعم بثمارها فاسدو الأمس واليوم إلى أن عثر زراع الفساد وحاصدوه عن حق جديد متلبس بالباطل وهو مساهمة رئيس الحكومة الجديد « الياس الفخفاخ«  في شركات أبرمت صفقات مع الدولة وهنا انتفض المزايدون واستوقفوا رئيس الحكومة وأقسموا جهد أيمانهم بأن لا يمر حتى يخضع للتحقيق في ما اشتبه عليهم أنه فساد. وانقسم الجمع إلى فريقين فريق يتهم « الفخفاخ » بالفساد وفريق نفى عنه هذه التهمة وجند كل إمكانياته للدفاع عنه. الفريق الأول يتكون من أحزاب في الحكم ومن أخرى في المعارضة, أما التي في الحكم منها من يطالب –حركة النهضة- بتوسيع  دائرة الحكومة ويرفض استمرارها بتركيبتها الحالية وهذا ما يرفضه رئيس الحكومة والأحزاب المؤيدة له. أما من في المعارضة –حزب قلب تونس- يرى أنه تعرض للظلم والإقصاء بإبعاده عن المشاركة في الحكم وحرم من حقه الذي منحته إياه نتائج الانتخابات. هذا الفريق وجد في وضعية رئيس الحكومة الفرصة السانحة ليزايد ويناور ليصل إلى مبتغاه إما بإسقاط حكومة « الفخفاخ » برمتها أو إجبار رئيس الحكومة على الاستقالة وإما أن يرضخ لشروطه وهو توسيع حزام الحكومة وتحويرها على النحو الذي تريده « حركة النهضة » وحزب « قلب تونس » والمطية هي شبهة الفساد المتعلقة ب « لياس الفخفاخ ». أما الفريق الثاني المدافع عن رئيس الحكومة يرى أنه هو المستهدف بتوسيع الحكومة وأن الغاية من طلب « حركة النهضة » هو إخراجه من نعيم قصر القصبة وحبل نجاته يشكله بقاء « الفخفاخ » واستمرار الحكومة بتركيبتها الحالية وهذا يخص حزب « حركة الشعب ». علما وأن المكون الآخر للفريق المدافع عن « الياس الفخفاخ » منذ سنوات وهو يرفع لواء محاربة الفساد حتى صارت « ماركة » مسجلة باسمه ومقتصرة عليه دون سواه، فلا يرى من أحد غيره يملك من الكفاءة والشجاعة الكافية ليقضي على الفساد – « التيار الديمقراطي » إلى درجة أنه وضع مشاركته في الحكومة تحت شرط حمل أحد أعضائه حقيبة وزارة « الحوكمة ومكافحة الفساد وكان له من أراد ومنح « محمد عبو » حقيبة تلك الوزارة تعيين ارتعدت له فرائس الفاسدين ليكتشفوا في وقت وجيز أن  » عبو » مجرد محاكي ل » دون شيكوت » في محاربة طواحين الهواء وأنه وحزبه لا يختلف عن البقية في شيء, فهو كغيره يتكسب من محاربة الفساد فهو يحاربه حين تقتضي مصلحته ويهادنه ويدافع عنه اذا اقتضت الضرورة ذلك. فما نراه اليوم من تطاحن وتجاذب مجرد مناكفات ومزايدات من أجل تحقيق مكاسب رخيصة يساعد النظام الديمقراطي الوضعي على خوض غمارها.

لهذا نرى فاسد يحاسب فاسدا ومفسدا يدافع عن مفسد, فالجميع موصوف بالفساد لأنه وببساطة شديدة الدولة والنظام التي تطبقه يسمح بالفساد والإفساد..

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )