تسارعت القرارات… والهدف؟ التصفية الكاملة للثورة وتسليم البلاد لعدوّها

تسارعت القرارات… والهدف؟ التصفية الكاملة للثورة وتسليم البلاد لعدوّها

في أجواء مشحونة متوتر سادت النّقاش العام في البرلمان صادق 117 نائبا على مشروع قانون المصالحة الإدارية بعد تغيير في اسمه الأصلي مشروع قانون المصالحة الاقتصادي والمالي.

ويزعم مقترحو مشروع القانون أنّه يهدف إلى « تحرير الطاقات داخل الإدارة التونسية وإعادة العجلة الاقتصادية إلى سالف نشاطها وتحفيز المشاريع التنموية المتوقفة بسبب تراجع مردودية الموظفين العموميين »، مؤكدين أنهم لا يهدفون إلى تبييض الفساد.
وتأتي المصادقة على مشروع القانون هذا بعد يوم واحد من طرح وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية وحقوق الإنسان استشارة وطنيّة بشأن مشروع قانون أساسي جديد ينظم عمل الأحزاب السياسية بتونس في مراجعة للمنشور عدد 87 لسنة 201 المنظم للقطاع، ويأتي بعد يومين من تزكية حكومة الشّاهد المحوّرة في البرلمان.  كلّ هذا تمّ في دورة برلمانيّة استثنائية لإقرار جملة مشاريع قوانين في الوقت بدل الضّائع قبل انطلاق الموسم السياسي بالعودة المدرسية والجامعية، في محاولة لاستباق الأحداث وترتيب الأمور ومعالجة المشاكل العالقة سواء في الشغورات أو في مشاريع القوانين المعطّلة لتفرّغ بشكل تام للمشاريع الكبيرة التي تستهدف تصفية كاملة للبلاد بمؤسساتها الحيوية ومقدّراتها الإنتاجية وبيعها بالتمام والكمال للشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية العملاقة حسب الاتّفاقات المبرمة والعقود الموقعّة مع البنك وصندوق النقد الدوليين, وليس هذا كافيا لتونس للوفاء بالتزاماتها المالّية للجهات المسندة للقروض والمساعدات المالية، بل إنّ مطالب المقرضين تتجاوز التفويت في مقدّرات البلاد وكرائم أموال أهلها مثل الصوناد والستاغ والخطوط التونسية والنقل البرّي وغيرها من المرافق الحيوية والحياتية، فضلا عن التفويت في البنوك العمومية وفي الصّلاحيات المسندة للبنك المركزي ولرئيسه، تجاوز ذلك إلى التفويت التّام والإهمال الكامل للعناصر البشرية وهم النّاس فوضعت القوانين لرفع الدّعم الآلى عن السّلع الاستراتيجية الحيوية ومشتقات الطّاقة، ممّا يجعل أسعارها في تزايد مطّرد مع بقاء الدولة في موقف المتفرج لا المتدخّل لإصلاح الأمور وتعديلها. هذا مع تجميد الانتدابات والأجور. وبذلك تكتمل الصورة وتتضح بشكل أكبر عمل حكومة الشاهد من حيث أنّه جاء واستقرّ في القصبة باعتباره مكلّفا بمهمّة لدى الجهات المالية العالمية، فلا بدّ له أن ينجز بما كلّف و يوفي بما وعد، ولعلّه أدرك أنّ التحوير الوزاري فرصته الأخيرة فلا مناص له من إظهار العزم والجدّية للمضي قدما في تنفيذ أوامر الجهات الخارجية المتحكّمة في تفاصيل حياة النّاس مهما تكلّفهم ذلك من تضحيات ومشقّات لإرضاء مصّاصاي دماء الشعوب والمتحكّمين بمصائر الأمم، فلا مجال اليوم عند حكومته للنّظرة الحانية ولا للرعاية الشاملة بل « لا مجال للأيدي المرتعشة في حكومة الوحدة الوطنية  » كما صرّح لدى إشرافه على أوّل إجتماع مجلس وزراء في الحكومة الجديدة .

من ناحية أخرى، نسمع أصوتا تتعالى بمقدار حجم أزمة الحكم في البلاد وأنّ تونس تعيش اليوم منعرجا خطيرا يهدف حسب بعضهم إلى إجهاض الثورة وإعادة المنظومة السّابقة.

يبدو أنّ النّاشطين السياسيين المتطلّعين إلى تغيير حقيقيّ لم يُدركوا بعد أنّ أزمة الحكم والاقتصاد هي في الحقيقة أزمة النّظام برمّته، فما دام التمسّك بالنظام الديمقراطي كنظام حكم نستمدّ منه الصّلاحيات السياسية والتنفيذية والتشريعية، دامت معه الأزمات والمحن وزاد الأفق ضيقا وازداد التدخّل الاستعماري الأجنبي البغيض في جميع شؤوننا وتعاظم تحكّمه في « قراراتنا السيادية  » وصارت البلاد متاحة له بكاملها بشرا وحجرا وثروات.

فالإحساس بأزمة حكم  في تونس هو إحساس مشترك، ولذلك يصرّح بعضهم بضرورة طرح استفتاء لتعديل النّظام السياسي في البلاد على اعتبار أنّ شكل الحكم الحالي هو السبب في توليد الأزمات لما فيه من توسيع دائرة أخذ القرار بين الشركاء المتخاصمين المتشاكسين، فيولد القرار بعملية قيصرية ويخرج للوجود من رحم المعاناة في أجواء مشحونة بالتوتر وعدم الرضا بتسلط الأغلبية البرلمانية على الأقلية فيه خصوصا بعد السّجال السياسي الذي حصل قبل المصادقة على قانون المصالحة وبعدها، وبعد أن كان التوافق سيد الموقف في أوّل الأمر.

فهل التغيير أو التحوير في النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي يحلّ الأزمة وينهي الأمر ويجعل الأمور بين أيدينا  مستقرّة لا يعبث بها قريب أو بعيد؟
 لا يبدو الأمر بهذه البساطة، فقد قيل سابقا « من جرّب المجرّب فهو أحمق » فقد ابتلينا بالنّظام الرئاسي ستّين عاما مضت، فماذا كانت النتائج…؟
ثورة عارمة كادت تسقط النّظام بأكمله… ولكنّ أيدي المكر تدخّلت وحالت دون سقوطه بالكلّية، وهذا ما يجب أن يعلمه القاصي والدّاني:

 نحن في تونس وكامل العالم الإسلامي بل في العالم أجمع نعاني أزمة في الحكم نابعة عن أزمة في النظام، فعند إرادتنا حلّ أزمة الحكم لا بدّ من حلّ أزمة النّظام أوّلا.

محمّد زرّوق

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )