ليبيا ومجلس الأمن الدولي: هل هو سبب مشكلتها واستعصاء حلها؟

ليبيا ومجلس الأمن الدولي: هل هو سبب مشكلتها واستعصاء حلها؟

عقد مجلس الأمن الدولي يوم 21\12\2022 جلسة لدارسة الوضع في ليبيا. فعبر أعضاء المجلس في بيان أصدروه عن « بالغ قلقهم إزاء الانسداد السياسي في ليبيا وعن خيبة أملهم إزاء التعثر المهدد لتحقيق الاستقرار » وأعربوا عن « دعمهم للممثل الخاص للأمين العام في ليبيا عبد الله باتيلي ولجهوده لإحداث زخم متجدد في العملية السياسية المتعثرة في ليبيا » وناشدوا « الأطراف الليبية والرئيسية الأخرى بالدخول في حوار مع عبد الله باتيلي وفيما بينهم والمحافظة على الهدوء على الأرض والتكاتف للإسراع في الاتفاق على سبيل، للمضي والتوصل إلى تسوية سياسية بما في ذلك الإطار الدستوري لإجراء انتخابات في القريب » وذكّر « بالقرار 1970 لسنة 2011 والمعدل بقرارات لا حقة الذي يعاقب بموجبه الكيانات والأفراد الذين يشاركون في الأعمال الت يتهدد السلم أو الاستقرار في ليبيا أو عرقلة أو تقويض استكمال عملية الانتقال السياسي بما في ذلك عرقلة الانتخابات ».
هكذا يرى التدخل الدولي في الشأن الداخلي لبلد من بلدان المسلمين التي أصبحت مستباحة من قبل القوى الاستعمارية.
إن التدخل الدولي باسم مجلس الأمن الدولي هو سبب مشكلة ليبيا عندما أصدر قرارا للتدخل العسكري يسمح للناتو الصليبي بالتدخل بعيد اندلاع الثورة على القذافي عميل الإنجليز عام 2011. فقامت القوات الأمريكية والإنجليزية والفرنسية والكندية وغيرها بهجمات جوية. وشاركتها الدول التابعة مثل قطر والإمارات. وكان ظاهر الأمر أنها ضد قوات القذافي حليف الغرب منذ 42 عاما. ولكن الحقيقة كانت لتنفيذ مهماتها القذرة لمنع نجاح الثورة بتغيير النظام الذي أقامه الغرب في ليبيا والاكتفاء بإزالة عميلهم القذافي عن المشهد، لأن الشعب ثار عليه، فأردت قوى الناتو والموالية لها منع نجاح هذا الشعب في إعادة سلطانه وتأسيس نظامه على أساس دينه الحنيف.
مندوبون, أدوات, قرارات وإملاءات..
وبجانب ذلك بدأ التدخل السياسي الدولي باصدار قرارات متعددة وإملاء حلول على أهل ليبيا وتعيين مندوبين للأمم المتحدة لتنفيذ قراراتهم وحلولهم. فبدأ الصراع السياسي بين أعضاء المجلس وخاصة بين أمريكا وبريطانيا وبجانبها فرنسا.
وشنوا حربا تضليلية فكرية وعملية شراء للذمم بواسطة قطر، والتي بدأت قناتها « الجزيرة » بالترويج للديمقراطية وحرف الناس عن الدعوة للإسلام وروجت للعلم الليبي الذي رسمه الإنجليز أثناء استعمارهم لليبيا بعد هزيمة إيطاليا المستعمر السابق في الحرب العالمية الثانية. فأنفقت قطر أكثر من 2,5 مليار دولار على عملية شراء الذمم وحرف الثورة كما اعترف مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الذي تأسس عقب اندلاع الثورة. والجدير بالذكر أن كل الذين كانوا يعملون في نظام القذافي انضموا نفاقا للثورة لتسلم مناصب جديدة في النظام القادم بعد الثورة. وأصبحوا أدوات بيد الدول التي تدخلت في ليبيا يعملون لحسابها مقابل المناصب. وأضيفت أدوات جديدة من رخيصي الذمة وقليلي الدين، ومن لا يهمه إلا مصالحه الشخصية من مناصب وجمع الثروات.
فهذا هو الذي يعقد هذه المشكلة ويطيل أمدها في ليبيا. فبيان مجلس الأمن الدولي بيان كاذب ومنافق. فأعضاؤه الدائمون وخاصة أمريكا وبريطانيا هم الذين يتصارعون على النفوذ في ليبيا. فقامت بريطانيا بعقد اتفاق الصخيرات عام 2015 وشكلت حكومة السراج. وحركت أمريكا عميلها حفتر ليأخذ شرق ليبيا ودفعته إلى روسيا لينال دعمها لترسل قوات فاغنر لدعمه. ودفعت أمريكا أيضا تركيا أردوغان التي تدور في فلكها ليلتف على السراج المحتاج للدعم، وقد لعب أردوغان لعبته عندما منع قوات السراج من السيطرة على شرق ليبيا. ودخلت أمريكا بواسطة مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني وليامز لعقد اجتماع في جنيف واختيار مجلس رئاسي برئاسة محمد المنفي واختيار عبد الحميد دبيبة رئيسا للحكومة يوم 5\2\2021.
وكان من المقرر أن تجري الانتخابات يوم 24\12\2021 ولكن ذلك تعرقل بسبب صراع الأطراف. فقام البرلمان الذي يسيطر عليه عملاء الإنجليز بانتخاب فتحي باشاغا رئيسا لحكومة موازية لحكومة الدبيبة يوم 10\2\2022 فعادت ليبيا مرة ثانية بحكومتين.
الدبيبة, لوكاربي, وعنجهية أمريكا
ويقوم عبد الحميد الدبيبة بكل ما يرضي أمريكا حتى يبقى على رأس حكومة في طرابلس وغرب ليبيا. فمما قام به مؤخرا تسليم مسعود أبو عجيلة ضابط مخابرات سابق متهم بصنع القنبلة التي وضعت على متن طائرة بوينغ لشركة بان أمريكان للطيران التي تفجرت في ديسمبر 1988 واتهمت أمريكا ضابطي استخبارات ليبيين بزرع قنبلة في الطائرة التي أقلعت من مطار هيثرو في لندن وتفجرت بعد نصف ساعة فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا وكانت تقل نحو 270 شخصا من 21 جنسية، بينهم 190 أمريكيا. وقد اضطر القذافي تحت الضغوطات الأمريكية تسليمهما للمحاكمة عام 1999 لمحكمة شكلت من قضاة اسكتلنديين في هولندا. وقد حكم على أحدهما بالسجن المؤبد وتبرئة الثاني.
علما أن هذه القضية قد سويت وأغلق ملفها عام 2008 بعدما دفع رئيس النظام السابق القذافي تعويضات بمبلغ مليارين دولار لعوائل الضحايا. وتأتي أمريكا اليوم بكل غطرسة وعنجهية لتفتح ملفاً سوته وأغلقته، وتختطف ضابط مخابرات سابقاً في الشهر الماضي عن طريق مسلحين تابعين للديبية في وسط العاصمة طرابلس.
وقد أعلن النائب العام الليبي الصديق الصور يوم 14/12/2022 فتح تحقيق في حادثة تسليم الليبي مسعود أبو عجيلة لأمريكا ضمن قضية لوكربي. فقال « نعمل على كشف ملابسات القضية. وإن عملية التسليم جرت دون علم السلطة القضائية في ليبيا » وحمّل المجلس الأعلى للدولة في ليبيا الحكومة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة المسؤولية القانونية والأخلاقية عن تسليم أبو عجيلة إلى واشنطن. وطالب البرلمان الليبي النائب العام بتحريك دعوى جنائية ضد كل الضالعين في خطف أبو عجيلة.
وقد وجهت أصابع الاتهام إلى عميل أمريكا رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة. وبالفعل قام الدبيبة يوم 15\12\2022 ليعترف بما اقترفه من إثم وتبرير فعلته بقوله « أبو عجيلة أحد عناصر التنظيم الذي خطط لتفجير طائرة لوكربي وقام بصناعة القنبلة والمتفجرات ووضعها داخل الأمتعة الخاصة بالمسافرين في عملية إرهابية أودت بحياة 270 روحا بريئة » وقال « صار لزاما علينا التعاون في هذا الملف لمصلحة ليبيا واستقرارها ومحو وسم الإرهاب من على جبين أبناء الشعب الليبي البريء » وقال مؤكدا عمالته لأمريكا: « مصلحة الشعب الليبي تقتضي التعاون مع الدول الكبرى، ولعل أولى الأولويات التعاون في قضايا مكافحة الإرهاب ».
وأمريكا تظهر غطرستها وعنجهيتها، ولا تحترم عهودها وتعمل على ابتزاز الآخرين ولو كان ذلك في قضية سويت وأغلق ملفها ودفع النظام السابق المليارات من الدولارات كتعويضات. والعملاء رخيصي الذمة لا يهمهم إلا أن يخدموا أسيادهم ليرضوا عنهم ولئلا يتخلوا عنهم ويقذفوهم في مزبلة من سبقهم العملاء.
الحل
والحل في ليبيا ليس في مجلس الأمن الدولي، بل هو المشكلة، ويبدأ الحل برفع يد هذا المجلس عن التدخل في الشأن الليبي، وترك البلد لأهله يحلوا مشاكلهم ويقرروا مصيرهم بأيديهم، وخاصة الدول الدائمة العضوية فيه، وهي دول استعمارية تستخدمه لمآربها، وعلى الأخص الدول الفاعلة في المشهد الليبي أمريكا وبريطانيا، حيث يدور الصراع الرئيسي بين هاتين القوتين بواسطة العملاء المحليين والإقليميين بجانب فرنسا التي تعمل على لعب دور معين، وكذلك روسيا التي ترسل قوات فاغنر خدمت بها أمريكا بدعمها حفتر عميل الأمريكان وهي تظن أنها ستلعب دورا يظهرها كلاعب دولي مؤثر، ودول إقليمية إما موالية لأمريكا كتركيا ومصر، وإما تابعة لبريطانيا كالإمارات وقطر، وإن أظهرت هذه الدول الإقليمية تنافرها مع بعضها البعض لأن كل واحدة قد تقرر لها لعب دور معين، فينطلي ذلك على السذج والبسطاء من الناس، فينحازوا إلى هذه الدولة أو لإلى تلك الدولة، وفي الحالتين واقعين في أسر الدول الاستعمارية.
فالتدخل الأجنبي وخاصة من الدول الاستعمارية وصراعها على ليبيا هو أس المشكلة، ومجلس الأمن الدولي أداة للصراع يستخدمه كل طرف لاستصدار القرارات التي تضمن له النفوذ، وكذلك مبعوث الأمم المتحدة يقوم بلعب دور فعال لحساب هذه الدولة أو تلك الدولة التي يعمل لحسابها. فمتى كفت هذه الدول يدها عن ليبيا يسهل حل المسألة فتصبح داخلية تحل بين أهلها، وينحى العملاء بعيدا مع أسيادهم، والشعب سيهتدي إلى المخلصين من أبنائه الذين سيثبتون إخلاصهم وصدقهم ووعيهم، ويقومون بقيادة شعبهم حسب دينهم لا حسب الديمقراطية وأفكار الكفر، مؤسسين دولة ليست علمانية، وإنما إسلامية خالصة، ملتزمين بدستور مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله.

أ, أسعد منصور

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )